أعتقد أن قضية كهذه تعدّ قضية حساسة - وجريئة - إلى حدّما سيما مع حصول الطفرة الاتصالية ( والتواصلية ) في هذا العصر ( التكنولوجي ) !!
العصر الذي يعجّ بمتغيّرات اجتماعية وسلوكية واختلاط كثير من المفاهيم في حياة الناس سواءً في قيمهم ومبادئهم أو حتى في عاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم !!
الرجل اليوم يظهر - وأعني ظهورا في مقام مخاطبة الجمهور - على الشاشة وفي الدوائر التلفزيونية المغلقة وعلى أوارق المجلة والصحيفة وفي المنتديات وغرف الدردشة إمّا معلماً او ناصحاً أو فناناً أو لا عباً أو عارضاً دعائيّاً أو ممثلاً أو ذئبا يقتنص السوانح أو نحو ذلك ..
وفي الطرف الآخر المرأة تسمعه وتنظر إليه وتتوجّه منه وتراقب حركاته وترصد ابتساماته وتتأثّر ببعض دمعاته - وبعضها دموع التماسيح - سواء كانت تسمعه أو تشاهده !!
في أحد المجمّعات الثقافية تكدّست النساء من كل جانب ، متفاوتة أسنانهم مترقبّة عيونهم ..!!
كل ذلك من أجل أن ضيف اللقاء هو ( ....... ) !!
قبل اللقاء اتصلت به إحدى الغيورات وقالت له : أسألك بالله ألاّ تحضر لقاء هذه الليلة فإن النساء مفتونات !!
وفعلاً .. لم يحصل اللقاء المرتقب !!
فضجّت النساء بالصّخب !!
لا أعتقد أن أحداً منكم فاته اللقاء التلفزيوني معه . .
وأعتقد أنكم لاحظتم جميعاً ما قالته تلك المتصله ( بشغف وغنج ) ..!!
تعرض نفسها للزواج من ضيف اللقاء !!
رسالة وصلتني من فتاة .. تقول أنها تحبه إلى حدّ الجنون !!
وضعت صوره في الجوال ..!!
مقاطع ( بلوتوث ) !!
أعلم أنه لا يشعر بي ..!!
ماذا أفعل ؟!
وأخرى لم تبعد عنها كثيراً ..
رأيته على شاشة التلفاز فوقع في قلبي حبه ..
وزاد من تعلّقي به أنه قال في لقاء ( القناة ) أنه غير متزوج ؟!
شغفت به إلى حدّ أني كرهت أبي وأمي !!
أنقذوووني !!
وفي لحظة - جريئة - يحتدم النقاش والصخب بين الزوج وزوجته . .
قتطلقها ..
تقذفها ..
بكل جرأة في وجهه ..
( لا يكون تحسب نفسك إنك أجمل من - ............. - )؟!
وحدّث عن ( غرف الدردشة ) ودهاليز ( الماسنجر ) ولاحرج !!
منهنّ من طلبت الطلاق من زوجها لترتبط بالذي يحاورها على ( الماسنجر ) !!
هذا - الواقع - وهذه الأحداث توقفنا عند تساؤلات مهمّة !
- هل هناك أثر أو انجذاب عاطفي - حقيقي - يؤثر على المرأة عند مشاهدتها - فضلاً عن استماعها - للرجل ؟!
السؤال بصيغة أبسط : هل يمكن أن يحدث إعجاب أو تعلّق من المرأة بالرجل بمجرّد النظر ؟!
- لماذا تتاثّر المرأة ؟!
- كيف نحدّ من هذه الظاهرة - إن كانت ظاهرة - ( سبل الوقاية والعلاج ) ؟!
مجموعة أسئلة أطرحها بين أيديكم لنتحاور فيها . .
ولعلي أن ابدأ في طرح بعض التصوّرات المهمّة حول الأسئلة السابقة .
بداية :
الإجابة بـ ( نعم ) أو ( لا ) بإطلاق قد تكون إجابة متعجّلة تفتقر إلى الواقعيّة ؛ لأن واقع الأمر يستلزم تبعات معيّنة لكل جواب منهما .
خلق الله الخلق كما أخبر ( زوجين اثنين ) قال مجاهد : يعني الذكر والأنثى، والسماء والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، والنور والظلام، والسهل والجبل، والجن والإنس، والخير والشر، والبكرة والعشي . . .
وههنا قضايا مهمة :
الأولى :
أن الله عزوجل لم يجعل ( - الذكر والأنثى - ) يتشابهون من كل وجه بل جعل بينهمااختلافات فطرية وخَلقية وخُلقية فقال مقرراً لهذه الحقيقية : " وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى " .
الثانية :
أن الله خلق الناس وجعل بعضهم لبعض فتنة كما قال الله تعالى : " وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً " قال ابن كثير رحمه الله : أي اختبرنا بعضكم ببعض، وبلونا بعضكم ببعض أ.هـ
ومن هنا يمكن القول بأن الله خلق المرأة فتنة للرجل والرجل فتنة للمرأة .
ولذلك جاء الأمر للرجل والمرأة بغضّ البصر فقال الله تعالى : " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ . . " " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ . . "
والأمر بغض البصر يؤكّد هذه الحقيقة في عمومها .
ومما يزيد هذه الحقيقة تقريراً وتأكيداً قصّة امرأة العزيز والنسوة مع يوسف عليه السلام وافتتانهم به عليه السلام . وتأمل معي الوصف القرآني لهذه الواقعة ، قال الله تعالى : " وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ .. . "
وإنك لتعجب لو علمت أن النسوة فتنّ بيوسف عليه السلام من قبل أن يرينه ولذلك كنّ حريصات على رؤية يوسف عليه السلام ، ولذلك وصف الله قول النسوة بأنه ( مكر ) ، قال ابن سعدي رحمه الله : وكان هذا القول منهن مكرا ، ليس المقصود به مجرد اللوم لها ، والقدح فيها ، وإنما أردن أن يتوصلن بهذا الكلام ، إلى رؤية يوسف ، الذي فتنت به امرأة العزيز ، لتحنق امرأة العزيز ، وتريهن إياه ، ليعذرنها ولهذا سماه : مكرا !! أ.هـ
الثالثة :
أن الرجل أشد افتتاناً بالمرأة لا العكس . قال الله تعالى : " يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً " قال طاوس: ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء !
وروي عن ابن عباس أنه قرأ "وخلق الإنسان ضعيفا" أي وخلق الله الإنسان ضعيفا، أي لا يصبر عن النساء. !!
يؤكّد هذا المعنى :
1 - قول الله تعالى : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ . . " فخصّ جل وتعالى النساء بأنهنّ مزيّنات للرجال ، والتزيين هنا من جهتين :
أ / تزيين الله تعالى بالإيجاد والتهيئة للانتفاع وإنشاء الجبلة على الميل إلى هذه الأشياء .
ب / تزيين الشيطان بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غيروجوهها .
2 - الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء . "
سيما إذا أدركنا أنها مزّيّنة للرجل ؛ وهنا يستوقفنا هذاالموقف منه صلى الله عليه وسلم الذي يعطينا تأكيداً واقعيّاً لهذه الحقيقة المهمة وذلك أنه مرّة رأى امرأة فدخل على زينب بنت جحش فقضى حاجته منها ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم : " إن المرأة تقبل في صورة شيطان فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله فإنه يضمر ما في نفسه " !!
ولذلك يتأكّد الأمر للرجل بغضّ البصر عن الحرام ولا يحتدّ الخلاف الفقهي فيه كالمرأة .
3 - أن النساء مأمورات بالحجاب بشقيه :
- بلزوم البيوت : " وقرن في بيوتكنّ " .
- بلبس الجلباب والخمار وستر الزينة عن الرجال الأجانب .
4 - ولعل مما يُستأنس به ما تؤكّده بعض الدراسات من أن الرجل تؤثر فيه المناظر والصّور أكثر من المرأة ، ومنه يمكن القول بأن هذا أحد الحِكم التي يًستأنس بها في إباحة الشريعة للرجل بأن يتزوج من اربع !!
الرابعة :
أن حصول افتتان المرأة بالنظر إلى الرجل أخفّ من حصول افتتان الرجل بها !!
هذه القضيّة تقررها سابقتها ، إضافة إلى :
1 - أن الرجال لم يؤمروا بالتحجّب عن النساء . مما يدل على ضعف فتنة النظر عند النساء بالرجال - وأقول ضعف وليس انعدام - .
2 - الخلاف الفقهي في حكم غض البصر بالنسبة للمرأة عن الرجال .
ويمكن أن ألخّص هذاالخلاف في نقاط :
أ / اتفق العلماء جميعا رحمهم الله على ان نظر المرأة الى الاجنبي بشهوة ولذة جنسية محرم قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم ( 6/184 ) : ( وأما نظر المرأة الى وجه الرجل الاجنبي فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق ) .
ب / نظر المرأة الى الرجل الاجنبي بدون شهوة اختلف العلماء في ذلك :
* جمهور العلماء ( الحنفية والمالكية والحنابلة ) يرون جواز ذلك وادلتهم في ذلك :
- حديث عائشة رضي الله عنها قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وانا انظر الى الحبشة وهم يلعبون ..) رواه مسلم والحديث ظاهر الدلالة في ان المرأة تنظر الى الرجل.
- حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها ان زوجها طلقها فأبى ان ينفق عليها فجاءت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها : ( لا نفقة لك فانتقلي فاذهبي الى ابن ام مكتوم فكوني عنده فإنه رجل اعمى تضعين ثيابك عنده ) رواه مسلم
* عند الشافعية ورواية عند الحنابلة عدم جواز ذلك ، مستدلين بعموم الأمر بغض البصر .
3 - للاستئناس تؤكد دراسات حديثة أن المرأة تتأثر بما تسمع أكثر مما تتأثر بالمنظر والصورة .
وهذا المعنى الذي أدركه ذلك الشاعر بقوله :
والأذن تعشق قبل العين أحياناً !!
ومن هنا جاء الأدب الشرعي للزوج بأن يقدم بين يدي معاشرته لزوجته من المداعبة قبل اللقاء .
يبقى أن أنبه إلى أن هناك مبالغة في النظر إلى المرأة، على أنها (كائن) سريع التأثر والانجذاب.. للطرف الآخر.. و تصوّرها بأنها ( سطح عاكس ) و ( جسم حساس ) يلتقط كل ما يقع عليه ويتفاعل معه !!
إذن كيف نفسّر تلك الصور التي أشرت إليها سابقاً من تعلّق بعض النساء بالرجال من مشاهدته في قناة أو شريط ( فيديو ) أو على شبكة تلفزيونية في محاضرة علمية أو على مقاعد الدراسة أو نحو ذلك . . . ؟!
أو بسؤال أدق : لماذا - أو متى - تتاثر المرأة وتتعلّق بالرجل ؟!
بداية لابد أن أؤكد على أن هذاالانجذاب ليس حكماً عاماً يشمل كل أفراده ، بل هو أمرٌ حاصل بحصول أسبابه ودواعيه ، والأمر يختلف من امرأة إلى أخرى على قدر الاختلاف في جوانب مهمة ( دينية وثقافية واجتماعية ونفسيّة ) .
آسف على الاطالة
________________________________