تحذير للأخوة من جهل بعض الرسائل وتحمل أوزارها .....
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قال رسول الله صلى الله علية وسلم
إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ........... صدق رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام .
في إحدى السنوات كما يروي الفقيه الشافعي " قاضي حسين" تراءى الناس الهلال- هلال رمضان- فلم يروه ، فجاء رجل إلى قاضي البلد يقول له : لقد رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام ، وأخبرني أن الليلة من رمضان وأمرني والمسلمين بالصيام ، فقال له القاضي : إن الذي تزعم أنك رأيته في المنام ... فقد رآه الناس في اليقظة جهارا وقال لهم : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته .. فلا حاجة بنا إلى رؤياك .
كم نحن بأمس الحاجة إلى فقه هذا القاضي . قبل أسبوعين شاع في أوساط الفتيات رؤيا خلاصتها أن فتاة رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لها : إن الساعة سوف تقوم قريبا ، وعلامة ذلك أن تفتحي مصحفا قديما فتجدي فيه شعرة أو ورقة ممسوحة .. وكان أثر الرؤيا المختلقة أبلغ عند الجهلة من قوله تعالى " وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا" ( الأحزاب:63)
وبعدها تحدثت في إحدى الكليات فبعثت إحدى الأخوات بورقة مكتوب فيها القصة التالية
:
مرضت فتاة مرضا شديدا أعيى الأطباء ، وفي ذات ليلة بكت حتى جاءها النوم وهي على تلك الحال ، فرأت أم المؤمنين زينب ، فوضعت في فمها شيئا من القطران ، وطلبت منها أن تكتب هذه الرواية(13) مرة ، وتطلب من الناس أن يكتبوها ، فلما أستيقظت الفتاة وجدت نفسها قد شفيت من المرض تماما ، وقامت بكتابة الورقة ثلاث عشرة مرة ووزعتها ،
فحدث التالي :
- أول ورقة وقعت في يد رجل فقير فكتبها ثلاث عشرة مرة ووزعها فجاءته أموال طائلة بعد ثلاثة عشر يوما . - والورقة الثانية وقعت في يد غني فمزقها فذهبت أمواله كلها بعد ثلاثة عشر يوما. -والورقة الثالثة وقعت في يد رجل على رأس عمل كبير فسخر منها ففصل من العمل بعد ثلاثة عشر يوما .
تقول الرواية : فعليك أخي المسلم ، أختي المسلمة ، أن تقوموا بكتابة هذه الورقة وتوزيعها لتنالوا من الله ما تحبون في إرادته .
وذكرتني هذه " الخرافة" السخيفة بخرافة " وصية الشيخ أحمد" التي تعاود الظهور مرة بعد أخرى بصورة تؤكد أن وراء الأمر شيئا ، كما ذكرتني بمقال كنت قرأته في بعض"مجلاتنا" مع الأسف عن " لعنة الفراعنة" والتي يزعمون أنها تلاحق كل من ينال من الفراعنة ومقابرهم بسوء. فهذا ركل جمجمة أحدهم فانكسرت رجله ، والذي أكتشف إحدى المقابر سقطت به الطائرة ، وفي الليلة التي أكتشف فيها المقبرة أنطفأ التيار الكهربائي عن القاهرة .. إلخ .
إنه نوع من الإرهاب الفكري المدمر . لا تستخدم عقلك ولا تناقش لئلا يصيبك ما أصاب هؤلاء ، وأحذر أن تمزق تلك الورقة" الأسطورة" لئلا تفقد عملك أو تفقد مالك .. وربما تفقد دينك .. هكذا يزعمون .
إن الوحي قد إنتهى فلا يتنزل على أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فإن من المسلمين من يشرعون تشريعات جديدة لم ترد في الوحي ويحذرون من يخالفها بالعقاب والعذاب، ويبشرون من يفعلها بالتوفيق.. فكيف تنطلي هذه الألاعيب السخيفة على مسلم قرأ في التنزيل (( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)) ( المائدة:3)
إننا نعلم يقينا أن الإنسان قد يترك أعظم شعائر الدين العملية وهي الصلاة ومع ذلك يظل مرزوقا معافى في دنياه ، لأن الدنيا ليست دار جزاء ولا حساب ، والأصل أن الجزاء والحساب في الآخرة ، بل نجد قوما كفارا لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومع ذلك وسع الله عليهم في الرزق ، وأعطاهم من العلم المادي والحضارة المادية ما لم يعط غيرهم ،
فالدنيا دار بلاء وليست دار جزاء.
فيكف يأتي من يستخف بعقول بعضنا ويزعم أن من لم يفعل كذا أصابه بعد أيام معدودة ما يكره ، ومن فعله لقي ما يحب . وهذا الفعل المطلوب ليس واجبا ولا مستحبا .. بل ولا مباحا ، إنما هو بدعة منكرة وخرافة غليظة
ثم لنتساءل : هل هذه الكتابة " عبادة" أم أنها " عمل دنيوي محض" فإذا كانت عبادة فهي مردودة لأن الإنسان أراد بها الدنيا و حفظ المال والوظيفة والصحة والله تعالى يقول: (( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون )) ( هود:15،16 ) فهو عمل حابط باطل جزاؤه النار .
وإذا كانت عملا دنيويا فهي أيضا مرفوضة ، لأنها ليست من الأسباب المادية ، والذي يريد المحافظة على الوظيفة عليه أن لا يتأخر عن وقت الدوام وأن يؤدي مسئولياته ، وإن يحسن إستقبال المراجعين ، ويبني علاقته مع رؤسائه على أساس صحيح . وهكذا حفظ المال والصحة وغيرها لها أسبابه المادية المعروفة ، وليس هذا من العمل منها بحال .
وليس كل ما يراه الإنسان في المنام رؤيا ، بل هناك " الحلم" وهو من الشيطان ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر الإنسان بتلاعب الشيطان به في المنام. وهناك حديث النفس ، فإذا شغل أمر من الأمور بال الإنسان تراءى له في المنام . وقد يكون ما يراه بسبب اعتلال المزاج واختلاله ، أو الشبع أو الجوع أو غيرهما. وقد قرأت أن أحد الروائيين المشهورين كان يأكل أكلة ثقيلة ثم ينام فإذا استيقظ كتب ما رأى على شكل " رواية" أو قصة يتداولها الناس ويتعجبون من خيال هذا الكاتب .
ومرة أخرى يجب التأكيد أن الداعية أو الواعظ لا يجدر به أن يتساهل في حكاية الروايات الواهية والموضوعة والمشكوك فيها ... إن فلانا رأى وفلانا رأى .. ورأى رجل صالح فيما يرى النائم ... ورأت إمرأة صالحة ... وما يدرينا نحن عن صلاحها ؟ وقد يكون الإنسان ظاهره الصلاح لكن فيه " غفلة الصالحين" فيحدث بكل ما سمع. وفي مقدمة صحيح مسلم مرفوعا : " كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع "
لقد أصبحت سيرة بعض الدعاة والمصلحين تلاك في كثير من المحالس بسبب حشدهم لهذه الأقاصيص وهذه الرؤى والأحلام ، وتوثيقهم لها بدون تثبيت وعدم تقدير نوعية المخاطبين ومستوى عقولهم . وإنه لمن الخطأ أن نربط إيمان الناس بأمر شرعي برؤيا حادثة من حق أي إنسان أن لا يصدقها أو أن يشك فيها ، فنستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير