بدأ النقد موجها إلى الأعمال الأدبية كنقد للشعر والبلاغة معتمدا على الفلسفات اليونانية القديمة بحيث كانت آراء وأفكار أفلاطون وأرسطو تشكل العماد الرئيس للنظرية النقدية في طورها الأول. واستمر هكذا حتى ظهور علم الجمال ( الاستطيقي ) في منتصف القرن الثامن عشر وتوسع ليشمل بقية الفنون في أعمال نقدية نشرت في كتب الفن وصحفه.
تتلخص نظرية أفلاطون( التي تقوم على المثال ) عن القوالب الفنية المختلفة في إن الفن تقليد للطبيعة ، ومن ثم تلتصق نظريته التصاقا كاملا بمفهومه عن الحقيقة انطلاقا من أن العالم لا يعدو مجرد تقليد للعالم المثالي ، وهكذا يصبح عالم الآراء لدى أفلاطون هو العالم الحقيقي ويتحول الفن إلى تقليد للتقليد ، أي إن الفن ينفصل عن الواقع من خلال تقليده للشيء الواقعي (الطبيعة) التي تقلد بدورها الأنموذج او المثال ، أما أرسطو فقد حذر من وضع مقاييس عامة باعتبار إن التجربة الجمالية مصطلح إنساني شامل ، وسميت نظريته بنظرية التقليد او المحاكاة (Theory of Imitation ) وهو يعني تقليد لجوهر الحقيقة ولعنصري التوافق والشكل في الطبيعة (Harmony & Form).
لقد استمد النقد الكلاسيكي قاعدته النظرية من الفلسفة اليونانية واعتمد التصنيف ، ففي الشعر مثلا هناك الغنائي والملحمي والدرامي ، وفي المسرح اعتمد على دراسة الوحدات الدرامية الثلاث ( الزمان والمكان والحدث )، كما التزم النقد الكلاسيكي بوضع عدد من القواعد النقدية الصارمة التي يصعب تطبيقها على الإنتاج الإبداعي المعاصر . وقيمت الأعمال الفنية والأدبية منذ نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر وفق مجموعة من المعايير التي استمدت من نظم سياسية واجتماعية وأخلاقية سائدة في المجتمع وبذلك ظهر النقد الإيديولوجي (Ideological Criticism) الذي يفسر الفن على أساس المضمون الفكري ويقيم الفنان على أساس موقفه من الصراع الفكري أو الإيديولوجي الدائر في عصره ، كما يفسر الفن والإبداع على إنهما انعكاس للظروف المادية والاقتصادية.إن أهم ما يؤخذ على هذه المقاييس الفكرية إنها اقرب إلى تفسير فكر الفنان وتاريخ حياته أكثر من تقييمها للعمل الفني ذاته .
وحين بدأت المدرسة الرومانسية في الأدب الأوروبي بالظهور بدت كملامح لمناهج نقدية متعددة هدفها الثورة على القواعد الكلاسيكية فبرزت العديد من صور النقد الإيديولوجي مثل النقد العلمي (النفسي والتاريخي والاجتماعي ) والتاثري (الانطباعي) ، إلا إن انصراف الناقد فيها إلى البحث عن الظروف المختلفة التي تحيط بالعمل الفني ساعد على تكوين معرفة عن ظروف العمل الفني ولكنها غير كافية للتعرف على العمل الفني ذاته لأنها لا تجعل النصوص هدفها وغايتها وإنما تحولها إلى وسيلة لخدمة حقلها المعرفي ، فكانت بدايات القرن العشرين حقبة للعديد من التوسعات المتنوعة في مجال النقد الأدبي والفني وكانت العديد من النظم والمناهج النقدية قد تبلورت في تلك المرحلة ، ففي روسيا على سبيل المثال ظهرت "المدرسة النقدية البنيوية Structuralism" كما تطورت في الولايات المتحدة اتجاهات نقدية عديدة استمدت أسسها من " الفلسفة الوجودية Existentialism " واعتمدت كل هذه الاتجاهات والتيارات النقدية على المفهوم المعاصر الجديد للنقد الذي يعتمد على خصائص العمل ذاته ،وبذلك ظهر "النقد الجديد New Criticism" إذ ينصب تحليل الناقد الحديث على العمل الفني نفسه دون أي تدخل لعامل خارجي يؤثر في العملية النقدية.
المصادر :
- مدارس النقد الادبي الحديث / محمد عبد المنعم خفاجي / الدار المصرية اللبنانية، القاهرة ، 1995
- النقد / د. شوقي ضيف / دار المعارف ، القاهرة ، 1980