سم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة..
(هاني) طالب بإحدى الجامعات التي تنتشر على رقعة العالم العربي، وهو يعشق الجواهر بشدة، ونظرا لحالته المادّية الصعبة فهو لا يستطيع اقتناء جوهرة ترضي غروره، لذا فهو ضيف دائم على الحفلات الصباحية لدور السينما التي تعرض ما لذّ وطاب من أصناف وأشكال الجواهر، وأجدني في غنًى عن القول بأنه كان في سبيل ذلك يتهرب من المحاضرات الصباحية؛ لكن أحيانا ما يجده زملاؤه في الحرم الجامعي قبيل بدء موعد أول محاضرة بنحو ساعة كاملة، لكنهم لا يدركون أنّ صديقا له جلب مجلة متخصصة في نشر صور الجواهر التي يبهج منظرها (هاني)..
كان (هاني) هذا يستاء بشدة من تلك الجواهر التي يحرص أصحاب المعارض على تغطيتها بخميلة رقيقة من أجود أنواع الحرير ويزداد استياؤه من تلك الجواهر اللواتي زودْن بجهاز إنذار يعمل تلقائيا عند اقتراب أي جسم غريب من دائرة نصف قطرها 30سم..
ذات يوم، قرّرت إدارة الجامعة أن توفر للطلاب فرصة لا يحلمون بمثلها، فتم عرض أثمن وأجمل جوهرة في العالم للطلاب في مكان بارز بالحرم الجامعي، وسط حراسة مشددة..
كان الطلاب يحرصون على إمتاع أعينهم برؤية هذه الجوهرة على الأقل مرتين يوميا..
والبعض – مثل هاني- أصبح يتسلل لا لخارج أسوار الجامعة، بل إلى حيث مكان عرض الجوهرة الثمينة..
للوهلة الأولى؛ سال لعاب (هاني) للجوهرة مما أوحى له بـخطة شيطانية، فكلما قابل شخصا عبّر له عن تضايقه من وجود الحراسة المشددة ودلالتها السيئة على وجود جدار وحاجز من عدم الثقة بين الإدارة الجامعية وبين الطلاب، لاقت الفكرة رواجا، وأيد السذّج الفكرة على أساس أنّ وجود الحراسة قد يكون أمرا يسئ لسمعة الجامعة في الخارج لما تعنيه الحراسة من وجود خوف ولو ضئيل لدى الإدارة من تعرض الجوهرة للاختفاء بفعل أحد الطلبة، وقد رُفع الأمر للإدارة التي أيدت الفكرة ودرجت في تنفيذها وشكر صاحبها لأنّه كان سباقا في كسر حاجز الروتين والعادات والتقاليد البالية التي تقيّد جوهرة ثمينة كهذه من أن يستمتع برؤيتها –عن قرب- ولمسها الطلاب الجامعيون المثقفون، وقد عارض هذا القرار بشدّة الموكلون بحراسة الجوهرة لكن اعتراضاتهم ذهبت أدراج الريّاح خصوصا مع قيام سفير الولايات المتحدة بـتفسير عصيان الحراس على أنّه تكريس للهيمنة الأمنية ومحاولة من الحراس للاستفادة من مناصبهم، فما كان من الحرّاس إلا أن رفعوا الأمر إلى القيادات الأمنية التي بدأت تعقد اجتماعات لتدارس الوضع في إدراك تام لخطورته، لكن كانت هنالك على الجانب الآخر جهة أوروبية-أمريكية مشتركة تخطط لأعمال إرهابية إجرامية تنطلق متزامنة مع بدء الاجتماعات الأمنية بخصوص موضوع حراسة الجوهرة، وكان المنفذون المجرمون يرتدون نفس الزي الذي يرتديه رجال حراسة الجوهرة الأشدّاء، وهنا علا صراخ وعويل (ٍهاني) ورفاقه بضرورة المسارعة برفع الحراسة عن الجوهرة خوفا عليها من الحراس الإرهابيين، وقد أيد جهود (هاني) ورفاقه الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة حيث لفت الأخير نظر الجامعة إلى أنّ وجود حراسة على الجوهرة يعرّض سمعة الجامعة والدولة لخطر داهم..
وفي يوم مشهود، تمّ تنفيذ القرار برفع الحراسة، وسط دموع ما تبقى من الحراس؛ الذين استشهد عدد منهم في سبيل حماية الجوهرة، وكان السلاح المستخدم ضدهم هو رصاص الكلمات المفبركة ورشاش الحوارات الصحفية المختلقة والاتهامات الملفقة..
وقد سُرّ (هاني) بتنفيذ قرار رفع الحراسة، ذلك أنه حرص على أن يتم ذلك قبل أن يألف الطلاب منظر الجوهرة فيعرضوا عن الاستئناس بها..
سارع (هاني) بأخذ الجوهرة لتلميعها، بعد أن أقنع المتواجدين بقوله، وبالفعل أبقاها لديه ليلتين ثم أعادها وهي أكثر لمعانا من ذي قبل، ولم يكونوا ليدركوا أنّ ما يفعله (هاني) إنما هو إزالة الطبقة الخارجية من سطح الجوهرة، وكلما تعرضت الجوهرة لعوامل التعرية أخذها (هاني) إلى بيته وشارك هو ورفاقه في إزالة الطبقة الخارجية عنها، وكان اللمعان مع الإضاءة المبهرة يلهيان الكثيرين عن الانتباه لتضاؤل حجم الجوهرة! إلا أنّ بقايا الحراس لم تكن قلوبهم ميالة لما هب ودب من الجواهر، لذا فقد ارتدوا أحدث مصابيح الرؤية الخاصة، وكشفوا أمام الرأي العام تضاؤل حجم الجوهرة رغم ازدياد تلميعها.. وبدأ كل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة يتهامسون ويتكلمون، وينتقدون، ويراجعون أنفسهم، وبدا وكأنّه الطوفان القادم لا محالة لإعادة الجوهرة إلى حجمها الطبيعي..
إنّ الجوهرة لم تستفد من إلغاء الحراسة بل إنها أضحت عرضة لأن ينظر إليها كل من هبّ ودبّ!
الحديث عن المرأة هو حديث عن كلّ غالٍ نفيس، لذا أدعوكم لنحلّق سويا في عالم الخيال، ولنتخيل جامعة عربية تُــقَــرِّرُ أن تعرض أجمل وأثمن جوهرة في العالم في صندوق زجاجي لتكون في مدخل الجامعة، ما الذي سيحدث؟؟ سيحرص الطلبة والطالبات كلّهم على أن يمتعوا أعينهم برؤية هذه الجوهرة الثمينة مرتين في اليوم -على الأقلّ-، مرّةً أثناء الدخول للحرم الجامعي، وثانية عند خروجهم بعد انتهاء الدوام الرسمي، هذا إن لم يتسلل بعضهم خلسة من المحاضرات ليتأمل جمال تلك الجوهرة!
تخيلوا معي أنّ مذيعا تلفزيونيا شهيرا اقترب بحذر من أحد المتسللين وقال له:
المذيع: لم يا بنيّ تترك محاضرات العلم والفائدة؟؟
الطالب المتسلل: إنه الحبّ يا سيدي! إنّ هذه الجوهرة رائعة الجمال حقا ولم يكن لي أن أرى حتى اسمها لولا أنْ سُمح بعرضها للناس، إنّي أكاد أهيم بجمالها، بل إنني أطالب بضرورة إتاحة الفرصة لكل طالب للانفراد بهذه الجوهرة كلّ على حدة!
بعد بضعة أسابيع، انخفضت حدة ظاهرة التسلل من المحاضرات وعادت لمعدلاتها الطبيعية وأصبح من النادر رؤية طالب يقصد الجوهرة، بل إن الطالب المستجد لا يُعرف إلا بوقوفه مشدوها أمام الجوهرة!
لفت هذا الأمر المذيع التلفزيوني الشهير وعزم على أن يعود للجامعة وينجز تقريرا عن سر هذا العزوف المفاجئ:
المذيع: السلام عليكم، يا هل ترى ما هو سر قلة زوار الجوهرة؟
نفس الطالب المتسلل سابقا: مساء الجواهر، حسنا، هذه ثالث مرة آتي فيها إلى هنا، ولست مستعدا لتجشم عناء المجيء للمرة الرابعة، فقد مللت منظر هذه الجوهرة السخيفة..
المذيع [مقاطعا]: عفوا ، ألا تعتبر ما قلتَه إهانةً لمثل هذه الجوهرة الجميلة؟؟
الطالب المتسلل سابقا: أي جمال يا هذا، أقول لقد سئمت، لقد مللت من منظر هذه الجوهرة، ليبحثوا لنا عن غيرها، فالتجديد مطلوب.
المذيع: حسنا، ولم لا تقتني واحدة من حرّ مالك؟
الطالب المتسلل سابقا: ويحك أجننت يا هذا؟ من أين لي بنفقات شراء جوهرة، أنا صعلوك لا أجد ثمن سيجارة، ثم إن شراء الجوهرة يستلزم وضعها في مكان مؤمّن بعيدا عن الأعين والأيدي، وهذا أمر لا أستطيع أن أحققه للجواهر..
المذيع: إذا فأنت ضيف دائم على معارض الجواهر؟؟
الطالب المتسلل سابقا: نعم في الواقع، ومما يشجعني أنّ بعض المعارض تتيح لك استئجار الجوهرة لبضعة أيام ومن ثم إرجاعها لصاحبها!
المذيع: ألا يعد هذا حطا من قيمة الجوهرة؟؟
الطالب المتسلل سابقا: كثيرون يفعلون هذا ثم إنّ أبي وعمي وكل أقربائي يفعلون هذا، فلم أتعب نفسي وأفكر وأنتقد؟
المذيع: بعض الناس يغفل عن جواهره، فتجد هذه الجواهر تنجذب نحو الأسواق مباشرة، ما رأيك في هذه الظاهرة؟؟
الطالب المتسلل سابقا: نعم، الأسواق فرصة عظيمة لرؤية الجواهر دون الخمائل الحريرية، لكنّ البعض لا يزالون يعرقلون خططنا في هذا المجال بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [يرتجف]
المذيع: ما لي أراك مرتجفا يا هذا؟ بالمناسبة، هلا عرّفت المشاهدين باسمك في ختام لقاءنا هذا؟
الطالب المتسلل سابقا: أبدا، كل ما في الأمر أنّ غريزة حب الجواهر تكبحها كلمة (أمر بمعروف/نهي عن منكر)، لذا أفضل الابتعاد عنها وعن كل ما يوصلني إليها، على كلّ فإن اسمي هو (هاني) وتجدني إما في الفندق وإما في السوق وإما في WC.
[[القصة فالخاطرة أهديهما للذين لا يدركون أنّ المرأة جوهرة ثمينة، إن عرضت للعامة فقدت جمالها وبريقها، وإن صانت نفسها باتباع أحكام الشريعة الغراء أضحت ملكةً غير متوّجة]]
ورد في حديث يروى فيه عن الرسول صلى الـله عليه وسلم أنه قال « أحب من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وقرة عيني في الصلاة » فالمرأة كالصلاة إيمان وطهر وهي كالطيب إنعاش وسكون نفس