يرى علماء الاجتماع أن البيت هوالينبوع الذي يمدالمجتمع بالنساءوالرجال لذلك اذا كان هذا البيت سيئا ، مهملا ، فان الأبناء سيكونون خطرا على الأم ، واذا كان هذا البيت محترما وقائما على أركان صحيحة ، كان الابناء خيرا وبركة على الأمة ، مصداق ذلك قوله تعالى ( والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي حبث لا يخرج الا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون ) " الأعراف 58 "
أما الشريعة الاسلامية فقد اعتبرت الأسرة النواة الأولى أو اللبنة الأولى في هيكل بناء المجتمع وماالمجتمع في حقيقته الا مجموعة أسر يطبت بعضها ببعض برباط الانسانية . ولذلك اعتنت الشريعة الاسلامية بكل ما له علاقة بتكوين الاسرة ، ابتداء بالخطبة والزواج ، والاختيار الحسن ، مرورا بالعلاقة الودية أثناء الزواج، وبالتالي فالزواج في رأي الشارع عهد قوي ، وميثاق غليظ ، قال تعالى :
) وان أردت استبدال زوج مكان زوج وآتيتم احداهن قنطرا فلا تأخذوا منه شيئا أتخذونه بهتا واثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم الى بعض وأخذنا نكم ميثاقا غليظا ) " النساء 21 و 22 "
هو ميثاق النكاح ، باسم الله ، وعلى سنته وهو ميثاق غليظ لا يستهين بحركته قلب مؤمن ، وهو يخاطب اللذين آمنوا ويدعوهم بهذه الصفة أن يحترموا هذا الميثاق الغليظ .
وهذا ما يجعلنا نفهم السر الكبير وراء ترغيب الشريعة في الزواج ، فهو فطرة انسانية فطر الله عليها البشر ذكورا واناثا ، وبسببه تتحقق خلافة الانسان في الأرض ، وبه تتحصن النفس البشرية ، وبه تطمئن النفس وترضى ، مصداق ذلك قوله تعالى :
) ومن آيته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) " الروم 21 "
كل هذا جعل الشارع يحض على الزواج ، وينهي عن الرهبانية والتبتل ، مصداق ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال :
جاء ثلاثة رهط الى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسئلون عن عبادته ، فلم أخبروا كأنهم تقالوها ، قالوا : وأين نحن من النبي فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال أحدهم : أما أنا فاني أصلي الليل أبدا ! وقال آخر وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ، وقال أحدهم : أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر !.
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أنتم اللذين قلتم كذا وكذا ؟ " أما والله اني لا أخشاكم لله ، وأتقاقكم له ، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأركض وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني .
المبادئ الاسلامية في تأسيس الأسرة
وضعت الشريعة الاسلامية جملة من المبادئ ورسمت بعض الحقوق والواجبات ، وجعلت منها ما يختص بالذكور ، وبعضها ما يختص بالاناث ، وبعضها ما هو مشترك بينهما ، كل ذلك بهدف الحفاظ على رباط الزوجية ووقاية ذلك من التزعزع والاضطراب مثال ذلك ..
1- الاختيار
اختيار الزوج واختيار الزوجة ، سواء كان على أساس المال أو الجمال أو الحسب والأفض أن يكون الاختيار قائما على أساس الأخلاق الحسنة والدين الحنيف والمعاملة المثلى .
مصداق ذلك قو النبي صلى الله عليه وسلم ( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك( .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض(.
عد ذلك يأتي دور النظر الى الطرف الآخر الذي يريد الارتباط به أي نظر الرجل اليها ، ونظرها اليه ، ضمن الآداب والضوابط الاسلامية ، وذلك لأن النظر يؤدي الى حصول الألفة والمحبة ، مصداق ذلك ما أخرجه الترمذي وغيره أن المغيرة بن شعبة خطب امرأة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم
اذهب فانظر اليها ، فانه أحرى أن يؤدم بينكما
ولا بأس من الجلوس معها ، والتحدث اليها ، بشرط وجود محرم من محارمها .
2- الرضا
فبعد الاختيار الصحيح يأتي دور الرضا ، ابتاء من رضا الطرفين ومرورا برضا الوالدين أيضا ، والا فما لم يحدث رضا من الطرفين فالزواج باطل ، مصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ( الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها ، واذنها صماتها( .
وأخرج ابن ماجا عن عائشة رضي الله عنها أن فتاة جائت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ان أبي زوجني ابن أخيه ، ليرفع بي خسيسته ، فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بيدها ، فقالت : أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شئ ( .
والسبب في تأكيد الشريعة على مسألة الرضا الابتعاد عن الفتن والمشاكل التي تحدث فيما بعد ، كتمرد الفتاة على الزواج اذا اكرهت عليه ، أو انتحارها ونحو ذلك ، ورحم الله ابن القيم عندما قال : ( ان البكر البالغة العاقلة الرشيدة لا يتصرف أبوها في أقل شئ من ملكها الا برضاها ، ولا يجبرها على اخراج اليسير منه بدون اذنها ، فكيف يجوز أن يخرج نفسها منها بغير رضاها ؟ ومعلوم أن اخراج مالها كله أسهل عليها من تزويجها بمن لا تختاره
3- الكفاءة
خاصة كفاءة الدين والخلق والهدف منت ذلك حسن العشرة ودوام الألفة بين الرجل والمرأة . فاذا كانت هي صالحة وكان هو فاجرا فكيف تكون العشرة بينهما ؟ مصداق ذلك قوله صلوات الله عليه : ( اذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض( .
4- المهر
وهو هدية رمزية من الشاب الى الفتاة التي اختارها لتكون شريكة عمره ، وبالتالي فهو حق مالي يختص بالمرأة ، مصداق ذلك قوله تعالى : ( و آتوا النساء صدقاتهم نحلة فان طبنى لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا (
النساء 4
والجميل في الأمر الشرعي أنه لم تحدد قيمة المهر لا أقله ولا أكثره ، انما المسألة متروكة للعرف والاتفاق بين الطرفين ، لكن التوجيهات الاسلامية توحي بأن خفة المهر ويسره يعتبر من بركات الزواج ، لأنه يؤدي الى الاقبال على الزواج الحلال ، ويسد كل منافذ الحرام ، مصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( من يمن المرأة خفة مهرها (
اذا : هذه أهم المبادئ التي تؤسس لبناء الأسرة الاسلامية فمن تقيد بها سعد في الدارين ، ومن أعرض عنها هلك عن بينه .