الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريكله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًاكثيرًا، وبعد: فنحن بحاجة إلى مراجعة دائمة، وتفقد لأحوالالنفس، وهل حصل لها بعد هذه المرحلة الفاضلة من التعبد والتقرب تغيير؟؟! وما من شك أن النفس في قصور دائم، والسعي إلىالكمال مطلوب، فإن لم نكن خرجنا بزيادة في إيماننا، وتقوى في جميع أحوالنا، وقربمن مولانا، يزيد عن السابق فلا أظن إلا أننا محرومون.. ظللت أتأمل: هل لعمل الإنسان وطلبه تزكية النفس منتهى؟ وهل تختلف مرحلة التزكية، والوصول إلى أعلىدرجاتها، عن مرحلة المحافظة على الموجود، وعدم الانتكاس مرة أخرى؟ إن النفس في علو ونزول، وكذا الإيمان في القلبيزيد وينقص، ويعلو ويخبو، والواجب أن نحافظ على علوه وزيادته. أمران مهمان في حياة المسلم كان لهما حضور قوي فيهذا الشهر: الأول: الصلاة، وهي قرة عيونالموحدين، وأنس عباد الله المقربين، وراحة العباد الزاهدين. الثاني: القرآن، كلام اللهووحيه، وحبله المتين، وصراطه المستقيم. فهل أدركنا أثر الصلاة في حياتنا كلها، وفهمناقوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة}؟؟!! وهل عشنا مع كل كلمة في القرآن، وتلذذنا به،وتدبرناه حق تدبره، وتدارسنا معنى ألفاظه، ومقاصد كلماته؟؟! هناك أمر مهم يجب أن نحس به بعد انتهاء هذاالشهر، وهو: قرب الله! تأمل قول الله تعالى في وسط آيات الصيام: {وإذا سألك عبادي عنيفإني قريب}، ولن أتحدث عن القرب، ولكنأدع الخيال يسبح في هذا القرب؛ فإن الحديث عنه قد يفسد معناه، ويحصره في أشياءمعينة. لو لم يكن في الصيام إلا أنه ينور القلب بقربالله تعالى، ويشعره بالمحاسبة الدقيقة لجميع تصرفاته لكان ذلك كافيًا! واستشعار قرب الله يحمل على التخلق بخلقالصدق، ومن كان صادقًا مع الله في عبادته، ومع نفسه في هدايتها وتزكيتها، وعدمتدسيتها، ومع الخلق في التعامل معهم؛ فإنه سيكون من الأبرار المنعمين في جنةالخلد، ((وإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزالالرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا)). أرأيت أخي الكريم لو أننا تخلقنا بخلق الصدقفي جميع أمورنا، كيف ستكون أحوالنا؟؟!! وتأمل آية أخرى، وهي قوله تعالى: {هو أعلم بكم إذأنشأكم من الأرض، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم، فلا تزكوا أنفسكم، هو أعلم بمناتقى}، تأمل هذه الآية، واجمع بينعلمه بنا من حين خلقنا من الأرض، ثم خلقنا في بطون أمهاتنا، ثم هو مع ذلك أعلم بمنهو المتقي، فلا حاجة إلى أن نخبر بما في نفوسنا! إنه الأمر بغاية الاجتهاد، مع الخوف والطمع. اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد منخلقك طرفة عين. اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير منزكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلمًا كثيرًا وإن لمتغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين.--------------------